
وقفة مع آية 📚 ودروس تفسير
41 subscribers
About وقفة مع آية 📚 ودروس تفسير
في كل يوم نرسل آية أو آيات وتفسيرها خيركم من تعلم القرآن وعلمه هلموا يا أهل القرآن
Similar Channels
Swipe to see more
Posts

وقفة مع آية📚 (٣٣٣) ﴿إِنَّ الإِنسانَ خُلِقَ هَلوعًا إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزوعًا وَإِذا مَسَّهُ الخَيرُ مَنوعًا إِلَّا المُصَلّينَ﴾ [المعارج: ١٩-٢٢] قال ابن كثير رحمه الله:( يقول تعالى مخبرا عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة : ( إن الإنسان خلق هلوعا ). ثم فسره بقوله : ( إذا مسه الشر جزوعا ) أي : إذا أصابه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب ، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير . ( وإذا مسه الخير منوعا ) أي : إذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره ، ومنع حق الله فيها . ثم قال : ( إلا المصلين ) أي : الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم إلا من عصمه الله ووفقه ، وهداه إلى الخير ويسر له أسبابه ، وهم المصلون)أ.هـ قال الشيخ السعدي رحمه الله:( { إِلَّا الْمُصَلِّينَ } الموصوفين بتلك الأوصاف فإنهم إذا مسهم الخير شكروا الله، وأنفقوا مما خولهم الله، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا. وقوله في وصفهم { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } أي: مداومون عليها في أوقاتها بشروطها ومكملاتها. وليسوا كمن لا يفعلها، أو يفعلها وقتا دون وقت، أو يفعلها على وجه ناقص)أ.هـ هذا الوصف للإنسان من حيث هو وصف طبيعته الأصلية، أنه هلوع. فطبعه الجزع والشح وقلة الصبر ولكن امتثال الشرائع والقرب من الله خصوصا إقامته لصلاته يهذبه وينقيه من هذه الخلال وأمثالها فإن لم يمتثل ويتخلق بأخلاق الشرع ظل على جزعه وشح نفسه وهلعه فتجده إذا مسه الشر جزع وهلع وإذا مسه الخير شح ومنع وبخل. المؤمن في حال السراء والضراء كما وصف في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم. والمؤمن كل أمره خير مع الابتلاء بالخير أو الشر ، بالسراء أو الضراء ، فهو في نعمة من الله تعالى في جميع أحواله إن امتثل التوجيه. قال الشيخ ابن باز رحمه الله:(...لكن جنس الإنسان هلوع إلا من رزقه الله الإيمان والثبات والحق والاستقامة فإنه لا يكون هلوعًا، إن مسه الشر صبر وجاهد نفسه في إبعاده، وإن مسه الخير شكر الله وأنفقه في وجوه البر، فهو شكور عند الرخاء صبور عند البلاء، هكذا المؤمن، لكن غالب الناس ليس كذلك هلوع، غالب الخلق هلوع، ليس عنده صبر عند الشدة، وليس عنده شكر عند الرخاء، هذه حال غالب الناس. أما المؤمن لا، شكور عند الرخاء صبور عند البلاء، كما قال صلى الله عليه وسلم:(عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له) ،هكذا المؤمن. نعم). قال ابن جزي رحمه الله:(﴿إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً﴾ الإنسان هنا اسم جنس بدليل الاستثناء منه، سئل أحمد بن يحيى مؤلف الفصيح، عن الهلوع فقال: قد فسره الله فلا تفسيراً أَبْيَنَ من تفسيره وهو قوله: ﴿إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً﴾ وذكره الله على وجه الذم لهذه الخلائق، ولذلك استثنى منه المصلين، لأن صلاتهم تحملهم على قلة الاكتراث بالدنيا، فلا يجزعون من شرها ولا يبخلون بخيرها). فيامسلمون : هذبوا أخلاقكم ونقوا أنفسكم من الجزع وقلة الصبر ومن البخل وذلك بتوثيق صلتكم بربكم بالمحافظة على صلاتكم فتقديم الصلاة على سائر الأعمال الصالحة المعدودة في الآيات التالية دلالة على شرفها وأنها خير الأعمال.ولها الأثر الواضح على المقيم لها - كما أمر الله - في دفع رذيلة الهلع المذموم وقد قال تعالى: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ . اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل ومن غلبة الدين.

وقفة مع آية 📚 (٣٣١) ﴿تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ الَّذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزيزُ الغَفورُ﴾ [الملك: ١-٢] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي سورة تبارك الذي بيده الملك) رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني. قال علماء اللجنة الدائمة :(وعلى هذا يُرجى لمن آمن بهذه السورة وحافظ على قراءتها ، ابتغاء وجه الله ، معتبراً بما فيها من العبر والمواعظ ، عاملاً بما فيها من أحكام أن تشفع له ). قال الطبري رحمه الله:( يعني بقوله تعالى ذكره: ( تَبَارَكَ ) : تعاظم وتعالى (الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) بيده ملك الدنيا والآخرة وسُلطانهما نافذ فيهما أمره وقضاؤه (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يقول: وهو على ما يشاء فعله ذو قدرة لا يمنعه من فعله مانع، ولا يحول بينه وبينه عجز)أ.هـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويحيي ويميت ، ويغني ويفقر ، ويعطي ويمنع ). قال الشيخ السعدي رحمه الله:( وخلق الموت والحياة أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم؛ { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } أي: أخلصه وأصوبه، فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء)أ.هـ عن قتادة رحمه الله في قوله: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) قال: ( أذل الله ابن آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء). قال القرطبي رحمه الله:( قوله:( الموت والحياة) قدم الموت على الحياة ، لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه ; فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم..)أ.هـ قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى : {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} قال: (أخلصه وأصوبه، قالوا يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إذا كان العمل خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة). قال ابن كثير رحمه الله:( وقوله : ( ليبلوكم ) أي : ليختبركم ( أيكم أحسن عملا ) ولم يقل : أكثر عملا بل ( أحسن عملا ) ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عز وجل ، على شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين بطل وحبط )أ.هـ فيامسلمون: الله سبحانه وتعالى إنما خلق والموت والحياة ليبلو عباده أيهم أحسن عملا ، لا أكثر عملاً. والعمل الأحسن هو الأخلص لله والأصوب على سنة رسول الله ، الموافق لمرضاة الله دون الأكثر الخالى من ذلك. فجاهدو أنفسكم على إخلاص أعمالكم لربكم تعالى متبعين سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعل أعمالنا صالحة ولوجهك خالصة وتوجها بالقبول ومضاعفة الأجور.

وقفة مع آية📚 (٣٣٢) ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ﴾ [القلم: ٤] قال الطبري رحمه الله:( يقول تعالى ذكر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه)أ.هـ سُئلَت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، فقالت: (كان خلقه القرآن) رواه مسلم. قال النووي رحمه الله:( معناه : العمل به ، والوقوف عند حدوده ، والتأدب بآدابه ، والاعتبار بأمثاله وقصصه ، وتدبره ، وحسن تلاوته). وقال ابن رجب رحمه الله:( يعني أنه كان يتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه ، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه ، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه ، وجاء في رواية عنها قالت : ( كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ ، يَرضَى لِرِضَاه ، وَيَسخَطُ لِسَخَطِهِ). قال ابن كثير رحمه الله:( ومعنى هذا أنه ، عليه السلام ، صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له ، وخلقا تطبعه ، وترك طبعه الجبلي ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه . هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم ، من الحياء ، والكرم والشجاعة ، والصفح ، والحلم ، وكل خلق جميل ....)أ.هـ قال الحسن رحمه الله :(حسن الخلق بسط الوجه وبذل الندي وكف الأذي). قال ابن القيم رحمه الله:(حسن الخلق يقوم علي أربعه أركان : الصبر والعفه والشجاعه والعدل). عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: (إن من خياركم أحسنكم أخلاقا) متفق عليه. عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذي)رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: (تقوى الله وحسن الخلق)، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: (الفم والفرج) رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)رواه أبو داود. عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ) حسنه الألباني. والمعنى : لا تسعوا : أي لا تشملون الناس وتستوعبونهم بأموالكم، وذلك لكثرة الناس، فمهما أعطى الإنسان من ماله للناس، فينتهي المال ولن يرضيهم، ويستوعبهم بخلاف حسن التعامل والخلق. فيامسلمون: عاملوا الناس بخلق حسن ، وامتثلوا التوجيه النبوي عن أبي ذر ومعاذ رضي اللَّه عنهما، عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:(اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ ) رواه الترمذي وقال حديث حسن. اللهم كما حسنت خلقنا فحسن أخلاقنا، واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

وقفة مع آية 📚📚 (٣٣٤) ﴿فَقُلتُ استَغفِروا رَبَّكُم إِنَّهُ كانَ غَفّارًا يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدرارًا وَيُمدِدكُم بِأَموالٍ وَبَنينَ وَيَجعَل لَكُم جَنّاتٍ وَيَجعَل لَكُم أَنهارًا﴾ [نوح: ١٠-١٢] هذا مماقصه الله تعالى عن نوح عليه السلام مع قومه. قال ابن كثير رحمه الله:( ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) أي : ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب ، فإنه من تاب إليه تاب عليه ، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك ؛ ولهذا قال : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ) أي : متواصلة الأمطار .... وقوله : ( ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) أي : إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه ، كثر الرزق عليكم ، وأسقاكم من بركات السماء ، وأنبت لكم من بركات الأرض ، وأنبت لكم الزرع ، وأدر لكم الضرع ، وأمدكم بأموال وبنين ، أي : أعطاكم الأموال والأولاد ، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار ، وخللها بالأنهار الجارية بينها)أ.هـ قال الطبري رحمه الله:(... عن الشعبيّ، قال: خرج عمر بن الخطاب يستسقي، فما زاد على الاستغفار، ثم رجع فقالوا: يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنـزل بها المطر، ثم قرأ ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ) وقرأ الآية التي في سورة هود حتى بلغ: وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ )أ.هـ ومعنى مجاديح السماء: مفاتيح السماء لنزول الأرزاق. ذكر القرطبي رحمه الله:عن ابن صبيح قال : "شكا رجل إلى الحسن الجدوبة : فقال له : استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له : استغفر الله وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له : استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له : استغفر الله، فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار ! فقال : ما قلت من عندي شيئاً ! إن الله عز وجل يقول في سورة نوح : " فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا " ). قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله : (قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}، هذه الآية الكريمة تدل على أن الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى من الذنوب سبب لأن يمتع الله من فعل ذلك متاعاً حسناً إلى أجل مسمى؛ لأنه رتب ذلك على الاستغفار والتوبة ترتيب الجزاء على شرطه. والظاهر أن المراد بالمتاع الحسن: سعة الرزق، ورغد العيش، والعافية في الدنيا، وأن المراد بالأجل المسمى: الموت...). قال رجل للحسن البصري رحمه الله: أما يستحي أحدنا من ربه ؟ نفعل الذنب، ثم نستغفر، ثم نفعله مرة أخرى، ثم نستغفر وهكذا . فقال له الحسن : (ودَّ الشيطانُ لو ظفر منكم بهذا ؛ لا تتركوا الاستغفار أبداَ) . نوح عليه السلام دعا قومه وأمرهم بالاستغفار ودعا ربه أن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات فقال: ﴿رَبِّ اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِيَ مُؤمِنًا وَلِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ وَلا تَزِدِ الظّالِمينَ إِلّا تَبارًا﴾ الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء عليهم السلام ، ومن دعاء الصالحين ، وقد ورد في الحديث بيان فضله ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة) رواه الطبراني وحسنه الألباني. من أفضل الذِّكر وأكثره أجرًا الاستغفار فأكثروا منه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قالَ: (إنْ كنَّا لنَعُدُّ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم في المجلسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: "ربِّ اغفِرْ لي وتُبْ عليَّ، إنَّك أنت التَّوَّابُ الرَّحيمُ) أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. والاستغفار طلب المغفرة، والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها. قال ابن تيمية رحمه الله: (العبدُ دائمًا بين نعمةٍ من الله يَحتاجُ فيها إلى شُكرٍ، وذنبٍ منه يَحتاجُ فيه إلى استغفارٍ، وكلٌّ من هذين من الأمورِ اللازمةِ للعبدِ دائمًا؛ فإنَّه لا يزالُ يتقلَّبُ في نعمِ الله وآلائِه، ولا يَزالُ محتاجًا إلى التوبةِ والاستغفارِ، ولهذا كانَ سيدُ ولدِ آدم وإمامُ المتقينَ يَستغفِرُ في جميعِ الأحوالِ). فيامسلمون: ظلمنا أنفسنا بكثرة ذنوبنا فلنكثرمن الاستغفار، قال الحسن رحمه الله : أكثروا من الاستغفار فى بيوتكم، وعلى موائدكم، وفى طرقكم، وفى أسواقكم، وفى مجالسكم، وأينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة. اللهم اغفر ذنوبنا كلها دقها وجلها أولها وآخرها علانيتها وسرها ماعلمنا منها وما لم نعلم.

وقفة مع آية📚📚🌺 (٣٣٧) ﴿يَقولُ الإِنسانُ يَومَئِذٍ أَينَ المَفَرُّ كَلّا لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَومَئِذٍ المُستَقَرُّ يُنَبَّأُ الإِنسانُ يَومَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الإِنسانُ عَلى نَفسِهِ بَصيرَةٌ وَلَو أَلقى مَعاذيرَهُ﴾ [القيامة: ١٠-١٥] قال الشيخ السعدي رحمه الله:( { يَقُولُ الْإِنْسَانُ } حين يرى تلك القلاقل المزعجات: { أَيْنَ الْمَفَرُّ } أي: أين الخلاص والفكاك مما طرقنا وأصابنا ? { كَلَّا لَا وَزَرَ } أي: لا ملجأ لأحد دون الله، { إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ } لسائر العباد فليس في إمكان أحد أن يستتر أو يهرب عن ذلك الموضع، بل لا بد من إيقافه ليجزى بعمله { يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } أي: بجميع عمله الحسن والسيء، في أول وقته وآخره، وينبأ بخبر لا ينكره. { بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } أي: شاهد ومحاسب { وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } فإنها معاذير لا تقبل، ولا تقابل ما يقرر به العبد ، فيقر به، كما قال تعالى: { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } . فالعبد وإن أنكر، أو اعتذر عما عمله، فإنكاره واعتذاره لا يفيدانه شيئا، لأنه يشهد عليه سمعه وبصره، وجميع جوارحه بما كان يعمل، ولأن استعتابه قد ذهب وقته وزال نفعه: { فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ })أ.هـ قال الطبري رحمه الله:( يقول تعالى ذكره : ( لا وزر ) يقول جل ثناؤه : ليس هناك فرار ينفع صاحبه ، لأنه لا ينجيه فراره ، ولا شيء يلجأ إليه من حصن ولا جبل ولا معقل ، من أمر الله الذي قد حضر ، وهو الوزر )أ.هـ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله : ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) يقول : (ما عمل قبل موته ، وما سن فعمل به بعد موته) . قال القرطبي رحمه الله:( قوله تعالى : (ينبأ الإنسان ) أي يخبر ابن آدم برا كان أو فاجرا بما قدم وأخر : أي بما أسلف من عمل سيئ أو صالح ، أو أخر من سنة سيئة أو صالحة يعمل بها بعده ; قاله ابن عباس وابن مسعود ). عن ابي هريرة رضي الله عنه قال:قال:( رسول الله صل الله عليه وسلم. ان مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره وولدا صالحا تركه او مصحفا ورثه او مسجدا بناه او بيتا لابن السبيل بناه او نهرا اجراه او صدقة اخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجه وحسنه الالباني. قال ابن كثير رحمه الله:(... عن ابن عباس : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) يقول : سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه . وقال قتادة : شاهد على نفسه . وفي رواية قال : إذا شئت - والله - رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم غافلا عن ذنوبه ، وكان يقال : إن في الإنجيل مكتوبا : يا ابن آدم ، تبصر القذاة في عين أخيك ، وتترك الجذل في عينك لا تبصره)أ.هـ فيامسلمون: سوف يلاقي الإنسان عمله كله خيره وشره علانيته وسره وسوف يجازى عليه مما قدم منه وأخر ، وهذه حقائق نؤمن بها وتتكرر علينا كثيرا في مواعظ القرآن الكريم ولكننا في غفلة وإعراض عما أمامنا فانتبهوا واستعدوا لما أمامكم. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه واجعلنا من المفلحين.

وقفة مع آية 📚🌺 (٣٣٦) ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعلَمُ أَنَّكَ تَقومُ أَدنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيلِ وَنِصفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَن لَن تُحصوهُ فَتابَ عَلَيكُم فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرآنِ عَلِمَ أَن سَيَكونُ مِنكُم مَرضى وَآخَرونَ يَضرِبونَ فِي الأَرضِ يَبتَغونَ مِن فَضلِ اللَّهِ وَآخَرونَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقرِضُوا اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا وَما تُقَدِّموا لِأَنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجِدوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيرًا وَأَعظَمَ أَجرًا وَاستَغفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [المزمل: ٢٠] إن ربك - أيها الرسول - يعلم أنك تصلّي أقلّ من ثلثي الليل تارة، وتقوم نصفه تارة، وثلثه تارة، وتقوم طائفة من المؤمنين معك، والله يقدر الليل والنهار، ويحصي ساعاتهما، علم سبحانه أنكم لا تقدرون على إحصاء وضبط ساعاته، فيشقّ عليكم قيام أكثره تحرّيًا للمطلوب، فلذلك تاب عليكم، فصلّوا من الليل ما تيسّر، علم الله أن سيكون منكم - أيها المؤمنون - مرضى أجهدهم المرض، وآخرون يسافرون يطلبون رزق الله، وآخرون يقاتلون الكفار ابتغاء مرضاة الله ولتكون كلمة الله هي العليا، فهؤلاء يشقّ عليهم قيام الليل، فصلّوا ما تيسر لكم من الليل، وائتوا بالصلاة المفروضة على أكمل وجه، وأعطوا زكاة أموالكم، وأنفقوا من أموالكم في سبيل الله، وما تقدّموا لأنفسكم من أيّ خير، تجدوه هو خيرًا وأعظم ثوابًا، واطلبوا المغفرة من الله، إن الله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم. قال القرطبي رحمه الله:( قوله تعالى : (والله يقدر الليل والنهار) أي يعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها ، وأنتم تعلمون بالتحري والاجتهاد الذي يقع فيه الخطأ . علم أن لن تحصوه أي لن تطيقوا معرفة حقائق ذلك والقيام به...)أ.هـ قيام الليل عبادة مشروعة ومرغب فيها ومن العبادات التي حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم في حضره وسفره ، وهي هدي وصفة لسلف هذه الأمة ، لهم فيها أخبار مشهورة وصفات محمودة ، لما علموا مافيها من الفضل والخير والخلوة بالله في ظلمة الليل ، والناس يغطون في نومهم أو يسهرون على لهوهم. ومنهم من جعله مؤكداً جداً على حملة القرآن قال ابن كثير رحمه الله:( وهذا ظاهر من مذهب الحسن البصري : أنه كان يرى حقا واجبا على حملة القرآن أن يقوموا ولو بشيء منه في الليل ; ولهذا جاء في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل نام حتى أصبح ، فقال : " ذاك رجل بال الشيطان في أذنه " . فقيل معناه : نام عن المكتوبة . وقيل : عن قيام الليل . وفي السنن : " أوتروا يا أهل القرآن " . وفي الحديث الآخر : " من لم يوتر فليس منا " ...)أ.هـ قال القرطبي رحمه الله:(...وروي عن عمر بن الخطاب أنه اتخذ حيسا - يعني تمرا بلبن - فجاءه مسكين فأخذه ودفعه إليه . فقال بعضهم : ما يدري هذا المسكين ما هذا ؟ فقال عمر : لكن رب المسكين يدري ما هو وكأنه تأول : (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا) أي مما تركتم وخلفتم ، ومن الشح والتقصير...)أ.هـ قال ابن كثير رحمه الله:( وقوله : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ) أي : جميع ما تقدموه بين أيديكم فهو خير لكم حاصل ، وهو خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا .....قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟ " . قالوا : يا رسول الله ، ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه . قال : " اعلموا ما تقولون " . قالوا : ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله ؟ قال : " إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر " . ورواه البخاري من حديث حفص..)ا.هـ قال الشيخ السعدي رحمه الله:( وليعلم أن مثقال ذرة من الخير في هذه الدار، يقابله أضعاف أضعاف الدنيا، وما عليها في دار النعيم المقيم، من اللذات والشهوات، وأن الخير والبر في هذه الدنيا، مادة الخير والبر في دار القرار، وبذره وأصله وأساسه، فواأسفاه على أوقات مضت في الغفلات، وواحسرتاه على أزمان تقضت بغير الأعمال الصالحات، وواغوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها، ولم ينجع فيها تشويق من هو أرحم بها منها ، فلك اللهم الحمد، وإليك المشتكى، وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك...)أ.هـ فيامسلمون: تأملوا هذه الآية ومافيها من التوجيه فقدموا خيرا واستغفروا كثيرا. اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وممن يسابق لفعل الخيرات ورفعة الدرجات. وتقبل الله منا ومنكم صالح العمل

وقفة مع آية📚📚 (٣٣٥) ﴿وَأَنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدعوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨] قال ابن كثير رحمه الله:( يقول تعالى آمرا عباده أن يوحدوه في مجال عبادته ، ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به كما قال قتادة في قوله : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) قال : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم ، أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوحدوه وحده)أ.هـ قال القرطبي رحمه الله:(قوله تعالى : (لله ) إضافة تشريف وتكريم ، ثم خص بالذكر منها البيت العتيق فقال:(وطهر بيتي... المساجد وإن كانت لله ملكا وتشريفا فإنها قد تنسب إلى غيره تعريفا فيقال : مسجد فلان). قال الشيخ السعدي رحمه الله:( {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } أي: لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة، فإن المساجد التي هي أعظم محال العبادة مبنية على الإخلاص لله، والخضوع لعظمته، والاستكانة لعزته)أ.هـ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَحَبُّ البلاد إلى الله مساجدُها وأبغضُ البلاد إلى الله أسواقها) رواه مسلم. قال النووي رحمه الله:(أحب البلاد إلى الله مساجدها ) لأنها بيوت الطاعات، وأساسها على التقوى، (وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) لأنها محل الغش والخداع والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه...والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها). المساجد لها المكانة والمنزلة الكبيرة في الدين والواجب تعظيمها والعناية بها من عموم المسلمين، وأول ذلك إقامتها في مواضعهم التي يسكنونها ويجتمعون فيها فقد بادر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء مسجده أول ما هاجر إلى المدينة، وحث على بنائها. حتى لو كانت الإقامة مؤقته لنزهة ورعي ونحو ذلك تحدد بقعة من الأرض مسجداً يجتمعون فيه ويصلون. المساجد بيوت الله وأماكن نزول رحمته ، تعمر بقراءة القرآن وتعلمه وتعليمه وذكر الله تعالى، بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وغيرها من الأذكار، قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذَر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن) رواه مسلم. ويجتنب اللغو واللغط، والخوض في أعراض الناس، وكثرة الحديث في أمور الدنيا مما يقسي القلب، ويبعد عن الله تعالى وذكره. ويؤكد على الحذر مما جدّ في عصرنا من هذه الأجهزة كالجوال ونحوه لايشتغل بها في المسجد إلا لحاجة أو مما هو ذكر لله أو إعانة ودلالة عليه. يجوز في المساجد الكلام في شؤون الدنيا على وجه لا يشغل القراء أو المصلين ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويبتسم) رواه مسلم. فيامسلمون: بيوت الله تناديكم كونوا من عمارها وممن عرفوا بالتردد عليها. أكثروا من الجلوس فيها ، قياما بالواجب كحضور الصلوات الخمس المفروضة ، وحرصا على التزود من الخير والخلوة بالله والتضرع والدعاء والابتهال تجدوا راحة وبعداً عن هموم الدنيا. اللهم اجعلنا من عمار المساجد وممن حببت إليه الجلوس فيها وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

وقفة مع آية (٣٣٠) ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارًا وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ عَلَيها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعصونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ﴾ [التحريم: ٦] عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى "قوا أنفسكم وأهليكم نارا" يقول:(أدبوهم وعلموهم ). عن ابن عباس رضي الله عنهما "قوا أنفسكم وأهليكم نارا" يقول:( اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار). وقال قتادة رحمه الله:( تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه فإذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها). قال ابن كثير رحمه الله:( وفي معنى هذه الآية الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث عبدالملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها" هذا لفظ أبي داود وقال الترمذي هذا حديث حسن...قال الفقهاء وهكذا في الصوم ليكون ذلك تمرينا له على العبادة لكي يبلغ وهو مستمر علي العبادة والطاعة ومجانبة المعاصي وترك المنكر والله الموفق)أ.هـ وقال الطبري رحمه الله:( وقوله: (وَقُودُهَا النَّاسُ ) يقول: حطبها الذي يوقد على هذه النار بنو آدم وحجارة الكبريت. وقوله: (عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ ) يقول: على هذه النار ملائكة من ملائكة الله، غلاظ على أهل النار، شداد عليهم (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ) يقول: لا يخالفون الله في أمره الذي يأمرهم به (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) يقول: وينتهون إلى ما يأمرهم به ربهم)أ.هـ في الآية الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار ، قال القرطبي رحمه الله:( فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة ، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية . ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم " . وعن هذا عبر الحسن في هذه الآية بقوله : يأمرهم وينهاهم.....وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول : " قومي فأوتري يا عائشة " . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رحم الله امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله ، فإن لم تقم رش وجهها بالماء ، رحم الله امرأة قامت من الليل تصلي وأيقظت زوجها ، فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء " . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " أيقظوا صواحب الحجر " . ويدخل هذا في عموم قوله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى )أ.هـ قال الشيخ السعدي رحمه الله:( ووصف الله النار بهذه الأوصاف، ليزجر عباده عن التهاون بأمره فقال: { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } كما قال تعالى: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } . { عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ } أي: غليظة أخلاقهم، عظيم انتهارهم، يفزعون بأصواتهم ويخيفون بمرآهم، ويهينون أصحاب النار بقوتهم، ويمتثلون فيهم أمر الله، الذي حتم عليهم العذاب وأوجب عليهم شدة العقاب، { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }. وهذا فيه أيضًا مدح للملائكة الكرام، وانقيادهم لأمر الله، وطاعتهم له في كل ما أمرهم به)أ.هـ اجعلوا لتربية أولادكم وأهليكم وتعليمهم وتوجيههم جزاءً من أوقاتكم اليومية ونفقاتكم الموسمية فهم جزء من حياتكم ، وابدؤا بأنفسكم في عمل الخير والبعد عن الشر وكونوا لهم قدوة لاتتساهلوا في ذلك تجنوا خيرا. يامسلمون: هذه الآية لها شأن عظيم في حياتنا وعلاقتنا بمن لنا عليهم الولاية علينا أن نهتم بهذاالأمر وأن نسعى فيه جهدنا ومن ذلك تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير ، وما لا يستغنى عنه من الأدب . اللهم قنا ووالدينا وأهلينا النار وأدخلنا برحمتك الجنة دار المتقين الأبرار.